فصل: (الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(الْبَابُ التَّاسِعُ فِي اخْتِلَافِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ وَفِي الشَّهَادَةِ فِيهِ):

إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَاخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي قَدْرِ الْمَرْهُونِ بِهِ فَقَالَ الرَّاهِنُ: إنَّهُ رَهَنَ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بِأَلْفٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ الَّذِي لَكَ، وَهُوَ أَلْفٌ، وَالرَّهْنُ يُسَاوِي أَلْفًا وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: ارْتَهَنْتُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَالرَّهْنُ قَائِمٌ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ أَنْ يَتَحَالَفَا كَانَ كَمَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ كَانَ بِأَلْفٍ وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الرَّهْنُ ثَوْبَيْنِ هَلَكَ أَحَدُهُمَا فَاخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الرَّهْنِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتَنِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ.
وَلَوْ قَالَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ: هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِكَ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبَضْتَهُ مِنِّي بَعْدَ الرَّهْنِ فَهَلَكَ فِي يَدِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى دُخُولِهِ فِي الضَّمَانِ، وَالْمُرْتَهِنُ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ، وَالرَّاهِنُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ، وَبَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ تَنْفِي ذَلِكَ، فَالْبَيِّنَةُ الْمُثْبِتَةُ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: هَلَكَ فِي يَدِ الرَّاهِنِ قَبْلَ أَنَّ أَقْبِضَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَدَّعِي دُخُولَهُ فِي الضَّمَانِ، وَهُوَ يُنْكِرُ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الضَّمَانَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ جَارِيَةً تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ إلَى شَهْرٍ، وَجَعَلَ رَجُلًا مُسَلَّطًا عَلَى بَيْعِهَا إذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ بِجَارِيَةٍ، وَطَلَبَ مِنْ الْعَدْلِ بَيْعَهَا فَقَالَ الرَّاهِنُ: لَيْسَتْ هَذِهِ جَارِيَتِي إنْ تَصَادَقَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَنَّ الْمَرْهُونَةَ كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالدَّيْنُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ الَّتِي جَاءَ بِهَا الْمُرْتَهِنُ تُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ هِيَ الْمَرْهُونَةَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الرَّهْنِ فَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ أَنْكَرَ الْعَدْلُ، وَقَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ تِلْكَ الْجَارِيَةَ، أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ، فَإِنْ حَلَفَ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ، وَإِنْ كَانَ نَكِلَ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعَدْلِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، وَهُوَ الْمُرْتَهِنُ فَيُجْبَرُ، وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الْعَدْلِ، وَيَرْجِعُ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ حَلَفَ الْعَدْلُ لَا يُجْبَرُ الْعَدْلُ عَلَى الْبَيْعِ، وَيَأْمُرُ الْقَاضِي الرَّاهِنَ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ لَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ، وَلَكِنْ يَبِيعُهُ الْقَاضِي، كَمَا لَوْ مَاتَ الْعَدْلُ، وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي كَانَتْ الْعُهْدَةُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ جَاءَ الْمُرْتَهِنُ بِجَارِيَةٍ قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ فَقَالَ الرَّاهِنُ: لَيْسَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ جَارِيَتِي، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: هَذِهِ تِلْكَ الْجَارِيَةُ، وَانْتَقَصَ سِعْرَهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ وَيَحْلِفُ، فَإِنْ حَلَفَ تُجْعَلُ الْجَارِيَةُ هَالِكَةً بِالدَّيْنِ فِي زَعْمِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْعَدْلِ إنْ أَقَرَّ الْعَدْلُ بِمَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ يُقَالُ: لَهُ بِعْهَا لِلْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا بَاعَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ لَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا إذَا أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا قَالَ فَيَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ هَذَا إذَا تَصَادَقَا أَنَّ قِيمَةَ الْمَرْهُونَةِ كَانَتْ أَلْفًا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: مَا رَهَنْتَنِي إلَّا جَارِيَةً قِيمَتُهَا خَمْسُمِائَةٍ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: كَانَتْ قِيمَتُهَا أَلْفًا، وَهَذِهِ غَيْرُ تِلْكَ الْجَارِيَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْعَدْلُ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَنْقَصَ مِنْ الدَّيْنِ يَرْجِعُ بِبَقِيَّةِ دَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَدْلُ عَنْ بَيْعِهَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى بَيْعِهَا، أَوْ يَبِيعُهَا الْقَاضِي، وَتَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَبَقِيَّةُ الدَّيْنِ كَذَلِكَ يَكُونُ عَلَى الرَّاهِنِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ: كَانَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا فَذَهَبَ بِالِاعْوِرَارِ النِّصْفُ خَمْسُمِائَةٍ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا بَلْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الرَّهْنِ خَمْسَمِائَةٍ، وَإِنَّمَا ازْدَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا ذَهَبَ مِنْ حَقِّي الرُّبْعُ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْحَالِ عَلَى الْمَاضِي فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهُ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهَا تُثْبِتُ زِيَادَةَ ضَمَانٍ فَكَانَتْ أَوْلَى بِالْقَبُولِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
عِيسَى بْنُ أَبَانَ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إذَا كَانَ الرَّهْنُ ثَوْبًا، وَأَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي لُبْسِهِ فَلَبِسَهُ فَهَلَكَ، وَاخْتَلَفَا فِي هَلَاكِهِ فِي حَالَةِ اللُّبْسِ، أَوْ بَعْدَمَا نَزَعَهُ، وَعَادَ إلَى الرَّهْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الرَّهْنِ فَلَا يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ فِي دَعْوَاهُ الْعُودَ إلَى الرَّهْنِ.
وَعَنْهُ أَيْضًا رَهَنَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَسَلَّطَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى بَيْعِهِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: بِعْتُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: لَمْ تَبِعْهُ، وَلَكِنْ مَاتَ فِي يَدِكَ فَإِنَّ الرَّاهِنَ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ بَاعَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي لُبْسِ ثَوْبٍ مَرْهُونٍ يَوْمًا فَجَاءَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ مُتَخَرَّقًا، وَقَالَ: تَخَرَّقَ فِي لُبْسِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقَالَ: مَا لَبِسْتُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا تَخَرَّقَ فِيهِ فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ، وَإِنْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِاللُّبْسِ فِيهِ، وَلَكِنْ قَالَ: تَخَرَّقَ قَبْلَ اللُّبْسِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي اللُّبْسِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى خُرُوجِهِ مِنْ الضَّمَانِ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى قَدْرِ مَا عَادَ مِنْ الضَّمَانِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ عَبْدًا فَأَقَامَ الرَّاهِنُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبَقَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَأَقَامَ الْمُرْتَهِنُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَبَقَ مِنْ يَدِ الرَّاهِنِ بَعْدَمَا رَدَّهُ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: آخُذُ بِبَيِّنَةِ الْمُرْتَهِنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا قَالَ: رَهَنْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ وَقَبَضْتَهُ مِنِّي، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتَنِي هَذَا الْعَبْدَ وَقَبَضْتَهُ مِنْكَ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ وَالثَّوْبُ قَائِمَيْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَا هَالِكَيْنِ، وَقِيمَةُ مَا يَدَّعِيهِ الرَّاهِنُ أَكْثَرُ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: ارْتَهَنْتُهُمَا جَمِيعًا، وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ رَهَنْتُكَ هَذَا وَحْدَهُ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ.
وَإِذَا قَالَ الْمُرْتَهِنُ: رَهَنْتَنِي هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَقَبَضْتُهُ مِنْكَ وَلِي عَلَيْكَ سِوَى ذَلِكَ مِائَتَا دِينَارٍ لَمْ تُعْطِنِي بِهَا رَهْنًا، وَقَالَ الرَّاهِنُ: غَصَبْتَنِي هَذَا الْعَبْدَ وَلَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِغَيْرِ رَهْنٍ، وَقَدْ رَهَنْتُكَ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ أَمَةً يُقَالُ: لَهَا فُلَانَةُ وَقَبَضْتَهَا مِنِّي، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَمْ أَرْتَهِنْ مِنْكَ فُلَانَةَ، وَهِيَ أَمَتُكَ، وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الرَّاهِنُ عَلَى دَعْوَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يَتَعَلَّقُ بِهِ اللُّزُومُ فِي جَانِبِ الرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا لِنَفْسِهِ لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَلْزَمُهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ، فَإِنْ حَلَفَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْعَبْدِ، وَإِنْ نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ كَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِأَلْفٍ، وَأَمَّا الْمُرْتَهِنُ فَلَا يَحْلِفُ فِي الْأَمَةِ بِشَيْءٍ، وَلَكِنَّهَا تُرَدُّ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يَكُونُ لَازِمًا فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ فَجُحُودُهُ الرَّهْنَ فِي الْأَمَةِ بِمَنْزِلَةِ رَدِّهِ إيَّاهَا، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الرَّاهِنِ، فَإِنْ كَانَتْ مَرْهُونَةً عِنْدَهُ فَالِاسْتِحْلَافُ لَا يَكُونُ مُفِيدًا فِيهَا، وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لَهُمَا أُمْضِيَتْ بَيِّنَةُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهَا مُلْزِمَةٌ لِلرَّاهِنِ، وَبَيِّنَةُ الرَّاهِنِ لَا تُلْزِمُ الْمُرْتَهِنَ شَيْئًا فِي الْأَمَةِ فَلَا مَعْنَى لِلْقَضَاءِ بِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمَةُ قَدْ مَاتَتْ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الرَّاهِنِ أَيْضًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فِي وَلَدِ الْمَرْهُونَةِ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ، وَلَدَتْ عِنْدِي فَالْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يُقِرَّ بِأَخْذِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ ارْتَهَنْتُ الْأُمَّ وَالْوَلَدَ جَمِيعًا، وَقَالَ الرَّاهِنُ بَلْ الْأُمُّ وَحْدَهَا، فَالْقَوْلُ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مَعَ الْقَبْضِ يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ ادَّعَى الرَّهْنَ فَقَطْ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِلَازِمٍ.
وَإِنْ جَحَدَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ مِنْ قِبَلِ الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَبْضِ، أَوْ عَلَى إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ آخِرًا، وَهُوَ قَوْلُهُمَا كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَإِذَا أَقَامَ الرَّاهِنُ بَيِّنَةً أَنَّهُ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ، وَلَا يَدْرِي مَا صَنَعَ بِالْعَبْدِ ضَمِنَ قِيمَةَ الْعَبْدِ يُحْتَسَبُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَيُرَدُّ الْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ، وَالْمَوْتُ عِنْدَهُ هَلَكَ بِمَا فِيهِ، وَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الزِّيَادَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ جُحُودٌ فَلَا يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الْعَاشِرُ فِي رَهْنِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ):

وَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، فَإِنْ رُهِنَتْ بِجِنْسِهَا فَهَلَكَتْ هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ حَالَةَ الْهَلَاكِ حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ لَا مَحَالَةَ، فَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْوَزْنِ وَعِنْدَهُمَا حَالَةُ الْهَلَاكِ حَالَةُ الِاسْتِيفَاءِ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى الضَّرَرِ.
(بَيَانُهُ) إذَا رَهَنَ مُدْهَنَ فِضَّةٍ وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ، وَهَلَكَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ عَشَرَةٌ سَقَطَ الدَّيْنُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ سَقَطَ الدَّيْنُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ، فَكَذَلِكَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ وَزْنِهِ عَشَرَةٌ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- الرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ وَيَكُونُ الضَّمَانُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَائِمًا مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَيَصِيرُ الْمَرْهُونُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِالضَّمَانِ، وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِالدَّيْنِ فَيَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ.
وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ ثَمَانِيَةٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ جَيِّدًا مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ تَحَرُّزًا عَنْ الرِّبَا، أَوْ رَدِيئًا مِنْ جِنْسِهِ، وَيَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ اثْنَا عَشَرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَتَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَضْمَنُ خَمْسَةَ أَسْدَاسِ قِيمَتِهِ، وَيَكُونُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْمَكْسُورِ مِلْكًا لَهُ بِالضَّمَانِ، وَسُدُسُ الْمَكْسُورِ يُفْرَزُ حَتَّى لَا يَبْقَى الرَّهْنُ شَائِعًا؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالشُّيُوعِ الْمُقَارَنِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الشُّيُوعَ الطَّارِئَ لَا يَمْنَعُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّمْيِيزِ، وَيَكُونُ مَعَ قِيمَةِ خَمْسَةِ أَسْدَاسِ الْمَكْسُورِ رَهْنًا عِنْدَهُ بِالدَّيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ انْتَقَصَ بِالِانْكِسَارِ مِنْ قِيمَتِهِ دِرْهَمٌ، أَوْ دِرْهَمَانِ يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ انْتَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ، فَإِنْ شَاءَ جَعَلَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ نَاقِصًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ وَزْنُهُ ثَمَانِيَةً، وَهَلَكَ سَقَطَ مِنْ دَيْنِهِ ثَمَانِيَةٌ قُلْتُ قِيمَتُهُ، أَوْ كَثُرَتْ.
أَوْ سَاوَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْوَزْنِ عِنْدَهُ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ، فَإِنْ انْتَقَصَتْ، أَوْ زَادَتْ فَكَانَتْ سَبْعَةً، أَوْ تِسْعَةً، أَوْ عَشَرَةً ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِهِ، فَإِنْ كَانَتْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ضَمِنَ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِيَةً فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، أَوْ ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِثَمَانِيَةٍ مِنْ الدَّيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِانْكِسَارِ بِحَالَةِ الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ سَبْعَةً، أَوْ أَكْثَرَ تِسْعَةً، أَوْ عَشَرَةً إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ اثْنَيْ عَشَرَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَضْمَنُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ، أَوْ يَفْتَكُّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَكَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ انْتَقَصَ أَكْثَرُ مِنْ دِرْهَمَيْنِ، وَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الْفِكَاكِ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ وَزْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَلَكَ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ بِثُلُثَيْهِ.
وَالثُّلُثُ أَمَانَةٌ قَلَّتْ قِيمَتُهُ، أَوْ كَثُرَتْ، وَكَذَا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَتْ مِثْلَ وَزْنِهِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ مِثْلَهُ عَشَرَةً ضَمِنَ قِيمَتَهُ مِنْ خِلَافِهِ، وَإِنْ كَانَتْ اثْنَيْ عَشَرَ ضَمِنَ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ كَمَا مَرَّ، وَإِنْ انْكَسَرَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثُلُثَيْهِ قَلَّتْ، أَوْ كَثُرَتْ عِنْدَهُ، وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْهِ بِدَيْنِهِ، وَأَخَذَ مِنْهُ ثُلُثَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ عِشْرِينَ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ نِصْفِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ نِصْفِهِ تَبْلُغُ قَدْرَ الدَّيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ انْتَقَصَ قَدْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ بِالِانْكِسَارِ يُجْبَرُ عَلَى الْفِكَاكِ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ انْتَقَصَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ثُلُثَيْ الرَّهْنِ بِدَيْنِهِ، وَأَخَذَ الثُّلُثَ.
وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ اثْنَيْ عَشَرَ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ عَشَرَةً، أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ تِسْعَةً إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ جَمِيعِهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ عِنْدَهُمَا (فَصَارَتْ الْأَقْسَامُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ فَصْلًا) لِأَنَّ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ سِتَّةَ فُصُولٍ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، فَثَلَاثَةٌ بِتَقْدِيرِ هَلَاكِهِ وَثَلَاثَةٌ بِتَقْدِيرِ انْكِسَارِهِ، وَالْقِسْمَ الثَّانِيَ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ ثَمَانِيَةً عَشَرَةُ فُصُولٍ: لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ سَبْعَةً، أَوْ مِثْلَ وَزْنِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ تِسْعَةً، أَوْ عَشَرَةً، أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ وَالْقِسْمَ الثَّالِثَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَيْضًا عَشَرَةُ فُصُولٍ:؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهُ مِثْلَ وَزْنِهِ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ مِثْلَ الدَّيْنِ، أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ، وَأَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ فَخَمْسَةٌ بِتَقْدِيرِ الْهَلَاكِ، وَخَمْسَةٌ بِتَقْدِيرِ الِانْكِسَارِ كَذَا فِي الْكَافِي.
قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْأَصْلِ ارْتَهَنَ مِنْ آخَرَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِيهِ مِنْ الْفِضَّةِ دِرْهَمٌ، وَفِيهِ فَصٌّ يُسَاوِي تِسْعَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْحَلْقَةِ دِرْهَمًا، أَوْ أَكْثَرَ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي الْخَاتَمِ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ، فَإِنْ كَانَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا، فَإِنَّ بِهَلَاكِ الْفَصِّ يَسْقُطُ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ، وَلِلرَّاهِنِ الْخِيَارُ فِي الْفِضَّةِ الَّتِي فِي الْخَاتَمِ إنْ شَاءَ جَعَلَهُ بِدَيْنِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْحَلْقَةِ نِصْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدِرْهَمٍ، فَأَمَّا إذَا انْكَسَرَ الْفَصُّ دُونَ الْحَلْقَةِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي كَانَ بِإِزَاءِ الْفَصِّ بِقَدْرِ مَا انْتَقَصَ الْفَصُّ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ انْكَسَرَتْ الْحَلْقَةُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحَلْقَةِ دِرْهَمًا، أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ اخْتَارَ التَّرْكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- يَتْرُكُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بِالدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ بِأَنْ كَانَتْ دِرْهَمًا، وَنِصْفًا فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إذَا اخْتَارَ التَّرْكَ يُضَمِّنُهُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ دِرْهَمًا وَنِصْفًا وَلَكِنْ مِنْ الذَّهَبِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَتْرُكُ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الْحَلْقَةِ بِقِيمَتِهِ مِنْ الذَّهَبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ أَوْجَبَ الْكَسْرُ نُقْصَانَ نِصْفِ دِرْهَمٍ قَدْرَ الصِّيَاغَةِ فَإِنَّهُ يُجْبِرُ الرَّاهِنَ عَلَى الْفِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَلَا يُخَيَّرُ، وَإِنْ أَوْجَبَ الْكَسْرُ نُقْصَانًا أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ يَتَخَيَّرُ الرَّاهِنُ، وَإِذَا اخْتَارَ التَّرْكَ يُتْرَكُ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لَا بِالْقِيمَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ سَيْفًا مُحَلَّى، قِيمَةُ السَّيْفِ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَفِضَّتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَهَلَكَتْ فَهُوَ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي مَالِيَّتِهِ وَفَاءً بِالدَّيْنِ، وَإِنْ انْكَسَرَ النَّصْلُ وَالْحِلْيَةُ بَطَلَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ نُقْصَانِ النَّصْلِ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ رَهَنَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ، فَقَدْ هَلَكَتْ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ رَخَّصَ سِعْرَهُ لَمْ يُعْتَبَرْ، وَلَوْ انْكَسَرَتْ ضَمِنَ الْقِيمَةَ قَدْرَ الدَّيْنِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَلَكَ الْمُرْتَهِنُ بَعْضَ الْقُلْبِ بِالضَّمَانِ يُمَيِّزُ، وَيَكُونُ الْبَاقِي رَهْنًا مَعَ الضَّمَانِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.
وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ فُلُوسًا فَغُلَّتْ لَمْ يُعْتَبَرْ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
قَالَ فِي الْأَصْلِ: رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ طَسْتًا، أَوْ تَوْرًا، أَوْ كُوزًا بِدِرْهَمٍ، وَفِي الرَّهْنِ وَفَاءٌ، وَفَضْلٌ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ هَلَكَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ انْكَسَرَ، فَإِنْ كَانَ شَيْئًا لَا يُوزَنُ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّةَ النُّقْصَانِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَوْزُونًا فَإِنَّ الرَّاهِنَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- تُرِكَ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَذِكْرُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِيمَا إذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُرَّ حِنْطَةٍ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ فَإِنْ هَلَكَ صَارَ الدَّيْنُ مُسْتَوْفًى بِنِصْفِهِ، فَإِنْ أَصَابَهُ مَاءٌ فَعَفِنَ وَانْتَفَخَ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ مِثْلَ نِصْفِ الْكُرِّ الْجَيِّدِ، وَيَصِيرُ النِّصْفُ الْفَاسِدُ مِلْكًا لِلْمُرْتَهِنِ، وَيَكُونُ مَا ضَمِنَ مَعَ نِصْفِهِ رَهْنًا عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَهُ أَنْ يَجْعَلَ نِصْفَهُ بِالدَّيْنِ إنْ شَاءَ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا مَلَكَهُ فَضْلٌ لَزِمَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ):

رَجُلٌ رَهَنَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا، وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ اسْتَحَقَّهُ رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَ أَيَّهُمَا شَاءَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ سَابِقًا عَلَى عَقْدِ الرَّهْنِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْمُرْتَهِنَ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ، فَلَا يَرْجِعُ بِالدَّيْنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ رَجَعَ بِمَا ضُمِّنَ عَلَى الرَّاهِنِ وَيَرْجِعُ بِالدَّيْنِ عَلَيْهِ أَيْضًا.
فَإِذَا شَرَطَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَقْتَ الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ الْعَدْلُ هُوَ الرَّاهِنَ، وَيَكُونُ الرَّهْنُ عِنْدَهُ يَبِيعُهُ عِنْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: إذَا شَرَطَا ذَلِكَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: إذَا شَرَطَا ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ، وَإِذَا قَبَضَهُ صَحَّ ثُمَّ إذَا قَبَضَهُ وَبَاعَهُ الرَّاهِنُ إنْ بَاعَهُ، وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَالثَّمَنُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ بَاعَهُ فَالثَّمَنُ لِلرَّاهِنِ، وَلَا يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَخَصَّ بِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(وَجِنَايَةُ غَيْرِ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ) لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ فِي النَّفْسِ، أَوْ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ فِي مَعْنَى الْخَطَأِ وَالْجَانِي لَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ كَانَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، فَإِنْ كَانَتْ فِي النَّفْسِ عَمْدًا، وَالْجَانِي حُرٌّ فَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَقْتَصَّ إذَا اجْتَمَعَا عَلَى الِاقْتِصَاصِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَقَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لَيْسَ لَهُ الِاقْتِصَاصُ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- رِوَايَتَانِ كَذَا ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ الِاخْتِلَافَ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى قَاتِلِهِ، وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ، وَإِذَا اقْتَصَّ الْقَاتِلُ سَقَطَ الدَّيْنُ هَذَا إذَا اجْتَمَعَا، وَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا لَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ، وَعَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَكَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَأَبْطَلَ الْقَاضِي الْقِصَاصَ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ فَلَا قِصَاصَ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قِيمَتُهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ يَقْبِضُهَا الْمُرْتَهِنُ فَتَكُونُ رَهْنًا ثُمَّ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مُؤَجَّلًا كَانَتْ فِي يَدِهِ إلَى حِلِّ الْأَجَلِ، وَإِذَا حَلَّ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ اسْتَوْفَى الدَّيْنَ مِنْهَا، وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا فَضْلٌ رَدَّهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهَا اسْتَوْفَى الدَّيْنَ بِقَدْرِهَا، وَيَرْجِعُ بِالْبَقِيَّةِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الدَّيْنِ حَبَسَهَا إلَى وَقْتِ الْفِكَاكِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا فَالْحُكْمُ فِيهِ، وَفِيمَا إذَا كَانَ مُؤَجَّلًا فَحَلَّ سَوَاءٌ.
وَتُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي ضَمَانِ الِاسْتِهْلَاكِ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ، وَفِي ضَمَانِ الرَّهْنِ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَيُعْتَبَرُ حَالُ وُجُودِ السَّبَبِ حَتَّى لَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ أَلْفًا فَانْتَقَصَتْ قِيمَتُهُ، وَتَرَاجَعَتْ إلَى خَمْسِمِائَةٍ فَقُتِلَ غَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ خَمْسَمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ، وَإِذَا غَرِمَ خَمْسَمِائَةٍ بِالِاسْتِهْلَاكِ كَانَتْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ رَهْنًا بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ، وَيَسْقُطُ الْبَاقِي مِنْ الدَّيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَهُ الْمُرْتَهِنُ غَرِمَ قِيمَتَهُ، وَالْحُكْمُ فِيهِ، وَفِي الْأَجْنَبِيِّ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَبْدًا، أَوْ أَمَةً يُخَاطَبُ مَوْلَى الْقَاتِلِ بِالدَّفْعِ، أَوْ بِالْفِدَاءِ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ مِثْلَ قِيمَةِ الْمَدْفُوعِ، أَوْ أَكْثَرَ فَالْمَدْفُوعُ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى الِافْتِكَاكِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ أَلْفًا.
وَالدَّيْنُ أَلْفٌ، وَقِيمَةُ الْمَدْفُوعِ مِائَةٌ فَهُوَ رَهْنٌ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ أَيْضًا، وَيُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى افْتِكَاكِ الْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَقَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إنْ لَمْ يَكُنْ بِقِيمَةِ الْقَاتِلِ وَفَاءٌ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ الرَّهْنَ نَقَصَ فِي السِّعْرِ حَتَّى صَارَ يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ فَدَفَعَ بِهِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ هَذَا إذَا اخْتَارَ مَوْلَى الْقَاتِلِ الدَّفْعَ أَمَّا إذَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَإِنَّهُ يَفْدِيهِ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ، وَكَانَتْ الْقِيمَةُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ يَسْتَوْفِي دَيْنَهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ كَانَ رَهْنًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ دَيْنِهِ، وَيُخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ الِافْتِكَاكِ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ وَبَيْنَ التَّرْكِ لِلْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ هَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، فَإِنْ كَانَ الْجَانِي حُرًّا يَجِبُ أَرْشُهُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً، أَوْ عَمْدًا، وَكَانَ الْأَرْشُ رَهْنًا مَعَ الْعَبْدِ، وَإِنْ كَانَ الْجَانِي عَبْدًا يُخَاطَبُ مَوْلَاهُ بِالدَّفْعِ، أَوْ الْفِدَاءِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ بِالْأَرْشِ كَانَ الْأَرْشُ مَعَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رَهْنًا، وَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ يَكُونُ الْجَانِي مَعَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ رَهْنًا.
(وَأَمَّا جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى غَيْرِ الرَّاهِنِ) فَلَا تَخْلُو إمَّا إنْ كَانَتْ عَلَى بَنِي آدَمَ، أَوْ عَلَى غَيْرِ بَنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى بَنِي آدَمَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ فِي مَعْنَاهُ، فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا يُقْتَصُّ مِنْهُ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ رَهْنًا سَوَاءٌ قَتَلَ أَجْنَبِيًّا، أَوْ الرَّاهِنَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ، وَإِذَا قَتَلَ قِصَاصًا سَقَطَ الدَّيْنُ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ خَطَأً أَوْ مُلْحَقَةً بِالْخَطَأِ بِأَنْ كَانَتْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ كَانَتْ عَمْدًا لَكِنَّ الْقَاتِلَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ يُوجَبُ الدَّفْعُ، أَوْ الْفِدَاءُ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ، أَوْ دُونَهُ نَحْوَ أَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفًا وَالدَّيْنُ أَلْفٌ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ يُخَاطَبُ الْمُرْتَهِنُ أَوَّلًا بِالْفِدَاءِ، وَإِذَا فَدَاهُ بِالْأَرْشِ، فَقَدْ اسْتَخْلَصَهُ، وَاصْطَفَاهُ عَنْ الْجِنَايَةِ، وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ أَصْلًا، فَيَبْقَى رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا فَدَى عَلَى الرَّاهِنِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ.
وَلَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَفْدِيَ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ، أَوْ الْفِدَاءِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ بَطَلَ الرَّهْنُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ، وَكَذَلِكَ إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا بِمَا فَدَى حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْفِدَاءَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ لِحُصُولِ الْجِنَايَةِ فِي ضَمَانِهِ فَيُنْظَرُ إلَى مَا فَدَى، وَإِلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَإِلَى الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ مِثْلَ الدَّيْنِ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلُ الدَّيْنِ، أَوْ أَكْثَرُ سَقَطَ الدَّيْنُ، وَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِثْلُ الدَّيْنِ، أَوْ أَكْثَرُ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ الْفِدَاءِ، وَحُبِسَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِالْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ قَدْرَ الدَّيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ قِيمَةِ الْعَبْدِ، وَلَا يَسْقُطُ أَكْثَرُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا، وَالْبَعْضُ أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ أَلْفَيْنِ وَالدَّيْنُ أَلْفًا فَالْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وَمَعْنَى خِطَابِ الدَّفْعِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ الرِّضَا بِالدَّفْعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الدَّفْعِ لَيْسَ إلَيْهِ ثُمَّ إذَا خُوطِبَ بِذَلِكَ إمَّا أَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الدَّفْعِ، وَإِمَّا أَنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْفِدَاءِ، وَإِمَّا أَنْ اخْتَلَفَا فَاخْتَارَ أَحَدُهُمَا الدَّفْعَ، وَالْآخَرُ الْفِدَاءَ.
وَالْحَالُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ، أَوْ غَائِبَيْنِ، وَإِمَّا أَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا، فَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ وَاجْتَمَعَا عَلَى الدَّفْعِ وَدَفَعَا، فَقَدْ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى الْفِدَاءِ فَدَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ الْأَرْشِ، وَإِذَا فَدَيَا طَهُرَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ عَنْ الْجِنَايَةِ، وَيَكُونُ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَبَرِّعًا لَا يَرْجِعُ بِمَا فَدَى، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْفِدَاءَ، وَالْآخَرُ الدَّفْعَ فَأَيُّهُمَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَاخْتِيَارُهُ أَوْلَى ثُمَّ أَيُّهُمَا اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَدَى الْعَبْدَ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ، وَلَا يَمْلِكُ الْآخَرُ دَفْعَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الَّذِي اخْتَارَ الْفِدَاءَ هُوَ الْمُرْتَهِنُ فَفَدَى بِجَمِيعِ الْأَرْشِ بَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا كَمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ طَهُرَتْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ.
وَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الْأَمَانَةِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ: لَا يَرْجِعُ بَلْ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا، وَفِي رِوَايَةٍ يَرْجِعُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِدَيْنِهِ خَاصَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ اخْتِلَافَ الرِّوَايَةِ.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي اخْتَارَ الْفِدَاءَ هُوَ الرَّاهِنُ فَفَدَاهُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بَلْ يَكُونُ قَاضِيًا بِنِصْفِ الْفِدَاءِ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ نِصْفُ الْفِدَاءِ مِثْلَ كُلِّ الدَّيْنِ سَقَطَ الدَّيْنُ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ، وَرَجَعَ بِالْفَضْلِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَيَحْبِسُهُ رَهْنًا بِهِ هَذَا إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ فَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حَاضِرًا فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ أَيُّهُمَا كَانَ الرَّاهِنَ، أَوْ الْمُرْتَهِنَ، فَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ هُوَ الْمُرْتَهِنَ فَفَدَاهُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي نِصْفِ الْفِدَاءِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ وَبِنِصْفِ الْفِدَاءِ، وَلَكِنَّهُ يَحْبِسُ الْعَبْدَ رَهْنًا بِالدَّيْنِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ رَهْنًا بِنِصْفِ الْفِدَاءِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُتَبَرِّعًا فِي نِصْفِ الْفِدَاءِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ إلَّا بِدَيْنِهِ خَاصَّةً كَمَا لَوْ فَدَاهُ بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ الْحَاضِرُ هُوَ الرَّاهِنَ فَفَدَاهُ بِجَمِيعِ الْأَرْشِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا فِي نِصْفِ الْفِدَاءِ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ يَكُونُ قَاضِيًا بِنِصْفِ الْفِدَاءِ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ هَذَا إذَا جَنَى الرَّهْنُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ فَأَمَّا إذَا جَنَى عَلَى الرَّاهِنِ، أَوْ الْمُرْتَهِنِ فَجِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِ الرَّاهِنِ جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْمَالِ.
وَأَمَّا عَلَى مَالِهِ فَهَدَرٌ، وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِ الْمُرْتَهِنِ فَهَدَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- مُعْتَبَرَةٌ يَدْفَعُ، أَوْ يَفْدِي إنْ رَضِيَ بِهِ الْمُرْتَهِنُ، وَيَبْطُلُ الدَّيْنُ، وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ لِمَا فِي الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ مِنْ سُقُوطِ حَقِّي فَلَهُ ذَلِكَ، وَبَطَلَتْ الْجِنَايَةُ، وَالْعَبْدُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ هَكَذَا أَطْلَقَ الْكَرْخِيُّ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَفَصَّلَ فَقَالَ: إنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا، وَبَعْضُهُ أَمَانَةً فَجِنَايَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَيُقَالُ لِلرَّاهِنِ: إنْ شِئْتَ فَادْفَعْ، وَإِنْ شِئْتَ فَافْدِهِ، فَإِنْ دَفَعَهُ وَقَبِلَ الْمُرْتَهِنُ بَطَلَ الدَّيْنُ كُلُّهُ، وَصَارَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَنِصْفُهُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَنِصْفُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَمَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الْمُرْتَهِنِ يَبْطُلُ، وَمَا كَانَ مِنْ حِصَّةِ الرَّاهِنِ يُفْدَى وَالْعَبْدُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ هَذَا إذَا جَنَى عَلَى نَفْسِ الْمُرْتَهِنِ.
وَأَمَّا إذَا جَنَى عَلَى مَالِهِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً، وَلَيْسَ فِي قِيمَتِهِ فَضْلٌ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَعْتَبِرُ الْجِنَايَةَ فِي قَدْرِ الْأَمَانَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْجِنَايَةِ أَصْلًا، وَأَمَّا جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ ابْنِ الْمُرْتَهِنِ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ حُكْمُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى بَنِي آدَمَ.
وَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ فَحُكْمُهَا وَحُكْمُ جِنَايَةِ غَيْرِ الرَّهْنِ سَوَاءٌ، وَهُوَ تَعَلُّقُ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ لَوْ قَضَى الرَّاهِنُ، أَوْ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُهُمَا فَالْحُكْمُ فِيهِ، وَالْحُكْمُ فِيمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ، وَمِنْ جِنَايَتِهِ عَلَى بَنِي آدَمَ سَوَاءٌ، وَأَنَّهُ إذَا قَضَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ يَبْقَى دَيْنُهُ، وَبَقِيَ الْعَبْدُ رَهْنًا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْفِدَاءِ اسْتَفْرَغَ رَقَبَتَهُ عَنْ الدَّيْنِ وَاسْتَصْفَاهَا عَنْهُ فَيَبْقَى الْعَبْدُ رَهْنًا بِدَيْنِهِ كَمَا كَانَ كَمَا لَوْ فَدَاهُ عَنْ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَقْضِيَ، وَقَضَاهُ الرَّاهِنُ بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ امْتَنَعَا عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ يُبَاعُ الْعَبْدُ بِالدَّيْنِ وَيُقْضَى دَيْنُ الْغَرِيمِ مِنْ ثَمَنِهِ.
ثُمَّ إذَا بِيعَ الْعَبْدُ، وَقُضِيَ دَيْنُ الْغَرِيمِ مِنْ ثَمَنِهِ فَثَمَنُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِ الْغَرِيمِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ وَفَاءٌ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ فَدَيْنُهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَقَلَّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ، أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ زَالَ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ بِسَبَبٍ وُجِدَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَصَارَ كَأَنَّهُ هَلَكَ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ يَكُونُ لِلرَّاهِنِ، وَلِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ فَيَكُونُ لَهُ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِهِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِ الْعَبْدِ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ فَبَقِيَ رَهْنًا ثُمَّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ جِنْسِهِ أَمْسَكَهُ إلَى أَنْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ.
وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَمْ يَحِلَّ أَمْسَكَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ إلَى أَنْ يَحِلَّ، هَذَا إذَا كَانَ كُلُّ الْعَبْدِ مَرْهُونًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ نِصْفُهُ مَضْمُونًا، وَنِصْفُهُ أَمَانَةً لَا يُصْرَفُ الْفَاضِلُ كُلُّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ بَلْ يُصْرَفُ نِصْفُهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَنِصْفُهُ إلَى الرَّاهِنِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ قَدْرُ الْمَضْمُونِ وَغَيْرِهِ عَلَى التَّفَاضُلِ يُصَرَّفُ الْفَضْلُ إلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ تَفَاوُتِ الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ بِدَيْنِ الْغَرِيمِ أَخَذَ الْغَرِيمُ ثَمَنَهُ وَمَا بَقِيَ مِنْ دَيْنِهِ مُتَأَخِّرٌ إلَى مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى أَحَدٍ، وَإِذَا عَتَقَ وَأَدَّى مَا بَقِيَ لَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَدَّى عَلَى أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ جِنَايَةِ وَلَدِ الرَّاهِنِ عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَحُكْمُ جِنَايَةِ الْأُمِّ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِرَقَبَتِهِ يُبَاعُ فِيهِ كَمَا فِي الْأُمِّ إلَّا أَنَّ هُنَا لَا يُخَاطَبُ الْمُرْتَهِنُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْغَرِيمِ بَلْ يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَ الْوَلَدَ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَخْلِصَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، فَإِنْ قَضَى الدَّيْنَ بَقِيَ الْوَلَدُ رَهْنًا كَمَا كَانَ، وَإِنْ بِيعَ بِالدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ جِنَايَةِ عَبْدِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَعَلَى غَيْرِ الرَّاهِنِ.
وَأَمَّا حُكْمُ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى الرَّهْنِ فَنَوْعَانِ جِنَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَجِنَايَةٌ عَلَى جِنْسِهِ فَأَمَّا جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهِيَ وَالْهَلَاكُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ سَوَاءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ مَضْمُونًا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مَضْمُونًا، وَبَعْضُهُ أَمَانَةً سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ قَدْرُ مَا انْتَقَصَ مِنْ الْمَضْمُونِ لَا مِنْ الْأَمَانَةِ، وَأَمَّا جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى جِنْسِهِ فَضَرْبَانِ جِنَايَةٌ بَنِي آدَمَ عَلَى جِنْسِهِ، وَجِنَايَةُ الْبَهِيمَةِ عَلَى جِنْسِهَا، وَعَلَى غَيْرِ جِنْسِهَا أَمَّا جِنَايَةُ بَنِي آدَمَ عَلَى جِنْسِهِ بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ عَبْدَيْنِ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَالْعَبْدَانِ لَا يَخْلُوَانِ إمَّا أَنْ كَانَا رَهْنًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِمَّا أَنْ كَانَا رَهْنًا فِي صَفْقَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَا رَهْنًا فِي صَفْقَةٍ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فَنَقُولُ: جِنَايَتُهُ لَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ جِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ، وَجِنَايَةِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ، وَجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ.
وَجِنَايَةِ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ، وَالْكُلُّ هَدَرٌ إلَّا وَاحِدًا، وَهِيَ جِنَايَةُ الْفَارِغِ عَلَى الْمَشْغُولِ فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ، وَيَتَحَوَّلُ مَا فِي الْمَشْغُولِ مِنْ الدَّيْنِ إلَى الْفَارِغِ، وَيَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ (بَيَانُهُ): إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْنِ، وَالرَّهْنُ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، أَوْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِمَّا قَلَّ أَرْشُهَا أَوْ كَثُرَ فَجِنَايَتُهُ هَدَرٌ، وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ، وَلَا يَتَحَوَّلُ قَدْرُ مَا سَقَطَ إلَى الْجَانِي، وَجِنَايَةُ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ هَدَرٌ فَجُعِلَ كَأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَلَا دَفْعَ، وَلَا فِدَاءَ، وَكَانَ الْقَاتِلُ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الدَّيْنِ خَمْسَمِائَةٍ فَكَانَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَارِغًا وَنِصْفُهُ مَشْغُولًا، وَإِذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَقَدْ جَنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ نِصْفَيْ الْقَاتِلِ عَلَى النِّصْفِ الْمَشْغُولِ وَالنِّصْفِ الْفَارِغِ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَجِنَايَةُ الْقَدْرِ الْمَشْغُولِ عَلَى الْمَشْغُولِ أَوْ الْمَشْغُولِ عَلَى الْفَارِغِ.
أَوْ الْفَارِغِ عَلَى الْفَارِغِ هَدَرٌ فَيَسْقُطُ مَا كَانَ فِيهِ إلَى الْجَانِي، وَذَلِكَ مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ، وَقَدْ كَانَ فِي جَانِبِ الْجَانِي خَمْسُمِائَةٍ فَكَانَ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَلَوْ فَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ صَاحِبِهِ يَتَحَوَّلُ نِصْفُ مَا كَانَ مِنْ الدَّيْنِ فِي الْعَيْنِ إلَى الْفَاقِئِ فَيَصِيرُ الْفَاقِئُ رَهْنًا بِسِتِّمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ، وَبَقِيَ الْمَفْقُوءُ عَيْنُهُ رَهْنًا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدَانِ رَهْنًا فِي صَفْقَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفًا، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ تُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ بِخِلَافِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْجِنَايَةُ يُخَيَّرُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، فَإِنْ شَاءَا جَعَلَا الْقَاتِلَ مَكَانَ الْمَقْتُولِ فَيَبْطُلُ مَا كَانَ فِي الْقَاتِلِ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ شَاءَا فَدَيَا الْقَاتِلَ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ، وَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَ الْمَقْتُولِ، وَالْقَاتِلُ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ أَلْفَيْنِ، وَقِيمَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ، وَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَإِنْ دَفَعَاهُ فِي الْجِنَايَةِ قَامَ الْمَدْفُوعُ مَقَامَ الْمَقْتُولِ، وَيَبْطُلُ الدَّيْنُ فِي الْقَاتِلِ، فَإِنْ قَالَا: نَفْدِي فَالْفِدَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ دَفَعَ الرَّاهِنُ أَلْفًا وَاحِدَةً، وَكَانَتْ الْأَلْفُ الْأُخْرَى قِصَاصًا بِهَذِهِ الْأَلْفِ إذَا كَانَ قَتَلَهُ.
وَلَوْ فَقَأَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ الْآخَرِ قِيلَ لَهُمَا: ادْفَعَاهُ، أَوْ افْدِيَاهُ، فَإِنْ فَدَيَاهُ كَانَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ دَفَعَاهُ بَطَلَ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الدَّيْنِ، وَكَانَ الْفِدَاءُ رَهْنًا مَعَ الْمَفْقُوءِ عَيْنُهُ، فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: أَنَا لَا أَفْدِي، وَلَكِنْ أَدَعُ الرَّهْنَ عَلَى حَالِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ الْفَاقِئُ رَهْنًا مَكَانَهُ عَلَى حَالِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ نِصْفُ مَا كَانَ مِنْ الْمَفْقُوءِ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْجِنَايَةِ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا لِحَقِّ الرَّاهِنِ فَإِذَا رَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِهَذِهِ الْجِنَايَةِ صَارَ هَدَرًا، وَإِنْ قَالَ الرَّاهِنُ أَنَا أَفْدِي، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا أَفْدِي كَانَ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَفْدِيَهُ، وَهَذَا إذَا طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ حُكْمَ الْجِنَايَةِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَإِنْ أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يَفْدِيَ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: أَنَا أَفْدِي بِجَمِيعِ الْأَرْشِ فَدَى، وَكَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَلْحَقُ الرَّاهِنَ مِمَّا فَدَى عَنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِفِدَاءِ مِلْكِ الْغَيْرِ، وَلَمْ يَكُنْ مُجْبَرًا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بَعْدَمَا فَدَاهُ الرَّاهِنُ يَرُدُّ عَلَى الرَّاهِنِ الْفِدَاءَ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ بَرِئَ عَنْ الدَّيْنِ بِالْإِيفَاءِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُوفِيًا دَيْنَهُ بِالْفِدَاءِ ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا أَنَّهُ يَرُدُّ الْأَلْفَ الْمُسْتَوْفَاةَ بِالْفِدَاءِ، أَوْ الْمُسْتَوْفَاةَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَرُدُّ الْأَلْفَ الْمُسْتَوْفَاةَ بِالْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ بِالْهَلَاكِ وُجِدَ بَعْدَ الْفِدَاءِ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ مَشَايِخِنَا: إنَّهُ يَرُدُّ الْأَلْفَ الْفِدَاءَ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ يَرُدُّ مَا قَبَضَ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
الْمَرْهُونَةُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدًا فَقَتَلَ إنْسَانًا خَطَأً فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَضَمَانُهُ عَلَى الرَّاهِنِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ، فَإِنْ فَدَى فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِ، فَإِنْ اخْتَارَ الدَّفْعَ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: أَنَا أَفْدِي فَلَهُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ فَخُوطِبَ الرَّاهِنُ بِالْبَيْعِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ كَذَا فِي الظهيرية.
وَإِذَا كَانَتْ الْأَمَةُ رَهْنًا بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا ثُمَّ جَنَى الْوَلَدُ عَلَى الرَّاهِنِ، أَوْ عَلَى مِلْكِهِ فَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ جَنَى عَلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ، أَوْ يَفْدِيَ، فَإِنْ دَفَعَ لَمْ يَبْطُلْ مِنْ الدَّيْنِ شَيْءٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ مَاتَ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ كَانَ عَلَى الرَّاهِنِ نِصْفُ الْفِدَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
مَرْهُونَةٌ بِأَلْفٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَلَدَتْ وَلَدًا قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ فَقَتَلَهُمَا عَبْدٌ قِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَدَفَعَ بِهِمَا فَاعْوَرَّ يَفْتَكُّهُ الرَّاهِنُ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ الدَّيْنِ، وَذَهَبَ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ لَمَّا وَلَدَتْ انْقَسَمَ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا ظَاهِرًا عَلَى تَقْدِيرِ السَّلَامَةِ فَلَمَّا قَتَلَهُمَا عَبْدٌ، وَدَفَعَ بِهِمَا قَامَ مَقَامَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ بِإِزَاءِ الْأُمِّ، وَثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الْوَلَدِ فَلَمَّا اعْوَرَّ ذَهَبَ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقَدْ كَانَ بِإِزَاءِ الْأُمِّ سِتُّمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ فَصَارَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ وَثُلُثًا، وَقَدْ كَانَ ثُلُثُهُ بِإِزَاءِ الْوَلَدِ، وَقَدْ ذَهَبَ نِصْفُهُ فَبَقِيَ سُدُسُهُ وَذَلِكَ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ هَذَا حَاصِلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْأُمِّ يَوْمَ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ، وَذَلِكَ سُدُسُ الْأَلْفِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَثُلُثَانِ؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ الثُّلُثُ، وَعَادَ بِالْعَوَرِ إلَى النِّصْفِ أَعْنِي نِصْفَ الثُّلُثِ، وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا حَالَ قِيَامِهِ فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ سَهْمًا، وَالْأُمُّ سِتَّةَ أَسْهُمٍ فَتَصِيرُ سَبْعَةً، وَقَدْ ذَهَبَ بِالْعَوَرِ نِصْفُ مَا فِي الْأُمِّ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةٌ وَبَقِيَ فِي الْأُمِّ ثَلَاثَةٌ، وَفِي الْوَلَدِ سَهْمٌ فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ مِنْ سَبْعَةِ أَسْهُمٍ، وَذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ؛ فَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يَفْتَكُّهُ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ الدَّيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا جَنَى عَلَى عَبْدِ رَجُلٍ فَرَهَنَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ افْتَكَّهُ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ فَلَهُ أَنْ يَتْبَعَ صَاحِبَ الْجِنَايَةِ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ، وَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا فِي الْقِيَاسِ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ، أَوْ بَاعَ فَرُدَّ بِعَيْبٍ بِقَضَاءِ قَاضٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ ارْتَهَنَ شَيْئًا مِنْ رَجُلَيْنِ، وَأَحَدُهُمَا شَرِيكُهُ فِي الدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إذَا كَانَ كَفِيلًا عَنْ الْآخَرِ جَازَ، وَلَوْ ارْتَهَنَا عَيْنًا ثُمَّ رَدَّ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ أَنَّهُ كَانَ تَلْجِئَةً بَطَلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي حِصَّةِ الْآخَرِ.
وَلَوْ رَهَنَا عَبْدًا بَيْنَهُمَا بِدِينَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَانَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ رَهْنًا بِدَيْنِهِ وَبِدَيْنِ صَاحِبِهِ وَيَتَرَاجَعَانِ عِنْدَ الْهَلَاكِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
رَهْنُ الْمُفَاوِضِ وَارْتِهَانُهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ جَائِزٌ عَلَى شَرِيكِهِ، وَلَوْ رَهَنَ بِضَمَانِ جِنَايَتِهِ صَحَّ وَضَمِنَ لِشَرِيكِهِ، وَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَنْقُضَهُ، وَلَوْ أَعَارَ مَتَاعًا فَرَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ جَازَ عَلَى شَرِيكِهِ الْمُفَاوِضِ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.
وَإِذَا ارْتَهَنَ الْمُفَاوِضُ رَهْنًا فَوَضَعَهُ عِنْدَ شَرِيكِهِ فَضَاعَ فَهُوَ بِمَا فِيهِ.
وَإِذَا رَهَنَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ رَهْنًا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ ضَامِنًا لِلرَّهْنِ، وَلَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ لَهُمَا ادَّانَاهُ وَقَبَضَ لَمْ يَجُزْ عَلَى شَرِيكِهِ، فَإِنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ ذَهَبَتْ حِصَّتُهُ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَرْجِعُ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ، وَيُرَدُّ الْمَطْلُوبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الرَّهْنِ، وَإِنْ شَاءَ الشَّرِيكُ ضَمَّنَ شَرِيكَهُ حِصَّتَهُ، وَلَوْ كَانَتْ شَرِكَتُهُمَا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِرَأْيِهِ فِيهَا، فَمَا رَهَنَ أَحَدُهُمَا أَوْ ارْتَهَنَ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى صَاحِبِهِ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ رَهَنَ الْمُضَارِبُ بِدَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ جَازَ وَالدَّيْنُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ بِهِ فَهُوَ عَلَى الْمُضَارِبِ كُلُّهُ أَمَّا لَوْ ارْتَهَنَ بِدَيْنٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ جَائِزٌ.
وَلَوْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ، وَالْمُضَارَبَةُ عُرُوضٌ فَرَهَنَ الْمُضَارِبُ شَيْئًا مِنْهَا لَمْ يَجُزْ، وَهُوَ ضَامِنٌ لَهَا.
وَلَوْ رَهَنَ رَبُّ الْمَالِ مَتَاعًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ، وَفِيهِ فَضْلٌ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَضْلٌ جَازَ وَضَمِنَ رَبُّ الْمَالِ كَأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ، أَوْ بَاعَهُ فَأَكَلَ ثَمَنَهُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.
اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ فَاسْتَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ بَرِئَ عَنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ افْتَكَّهُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَلَوْ تَرَكَ الِاسْتِعْمَالَ ثُمَّ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أُخْرَى لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنِهِ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الثَّوْبِ أَخَذَ الْمُسْتَعِيرَ بِثَوْبِهِ لِيَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَهُ أَنَّهُ يَرْهَنُهُ إلَى سَنَةٍ فَإِنْ افْتَكَّهُ رَبُّ الثَّوْبِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَطَوِّعًا، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا وَصَدَّقَ الْمُرْتَهِنُ رَبَّ الثَّوْبِ أَنَّهُ ثَوْبُهُ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ، وَيَأْخُذُ دَيْنَهُ، وَلَمْ يَكُنْ رَبُّ الثَّوْبِ مُتَطَوِّعًا، وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ: لَا أَعْلَمُ ثَوْبَكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الثَّوْبِ سَبِيلٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
أَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ لَهُ شَيْئًا، أَوْ سَمَّى لَهُ مَالًا أَوْ عَيَّنَ لَهُ مَكَانًا، أَوْ مَتَاعًا، أَوْ شَخْصًا، فَإِنْ أَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ، وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ، فَلَهُ أَنْ يَرْهَنَ بِأَيِّ قَدْرٍ، وَبِأَيِّ نَوْعٍ شَاءَ، وَإِنْ سَمَّى لَهُ مِقْدَارًا فَرَهَنَ بِأَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، أَوْ أَقَلَّ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ضَمِنَ لِأَنَّهُ خَالَفَ إلَى شَرٍّ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِمَّا سَمَّى، وَقِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلُ قِيمَةِ الدَّيْنِ، أَوْ أَكْثَرُ يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُعِيرُ فَإِنَّ بَعْضَهُ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، وَبَعْضُهُ مَضْمُونًا، وَهُوَ لَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ بَلْ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّهُ مَضْمُونًا، وَأَمَّا إذَا رَهَنَهُ بِأَكْثَرَ فَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ الْمُعِيرُ إلَى الْفِكَاكِ لِيَصِلَ إلَى مِلْكِهِ وَرُبَّمَا يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ الْفِكَاكُ مَتَى زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَقَلَّ مِنْ الْمُسَمَّى لَمْ يَضْمَنْ بِأَنْ أَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهُ تِسْعَةٌ، فَإِنْ رَهَنَ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ تِسْعَةً لَا يَضْمَنُ، وَأَمَّا إذَا رَهَنَهُ بِجِنْسٍ آخَرَ ضَمِنَ فِي الْفُصُولِ كُلِّهَا، وَأَمَّا إذَا أَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ مِنْ إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ مِنْ غَيْرِهِ ضَمِنَ، وَلَوْ أَعَارَهُ لِيَرْهَنَهُ بِالْكُوفَةِ فَرَهَنَهُ بِالْبَصْرَةِ ضَمِنَ.
اخْتَلَفَا فِي الْهَلَاكِ وَالنُّقْصَانِ قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَعِيرِ، وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُعِيرِ، فَإِنْ ادَّعَى الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُعِيرَ اسْتَرَدَّ الرَّهْنَ قَبْلَ الْفِكَاكِ، وَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ يُصَدَّقُ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ تَصَادَقَا عَلَى فَسْخِ الرَّهْنِ، وَالرَّهْنُ عَقْدٌ جَرَى بَيْنَهُمَا، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا أَنَّهُمَا فَسَخَا ذَلِكَ، وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ عَلَى الرَّاهِنِ بِقَدْرِ مَا ذَهَبَ مِنْهُ بِالدَّيْنِ فَلَوْ أَرَادَ الْمُعِيرُ افْتِكَاكَهُ لَيْسَ لِلرَّاهِنِ، وَالْمُرْتَهِنِ مَنْعُهُ، وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا قَضَى؛ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ فِي قَضَائِهِ لِإِحْيَاءِ حَقِّهِ وَمِلْكِهِ، وَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ الرَّهْنِ، أَوْ بَعْدَ الِافْتِكَاكِ لَا يَضْمَنُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ، فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبَضْتُ مِنْكَ الْمَالَ، وَأَعْطَيْتُكَ الثَّوْبَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ، وَقَالَ الرَّاهِنُ: بَلْ قَبَضْتَ الْمَالَ وَهَلَكَ الثَّوْبُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الرَّاهِنِ، فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ عَارِيَّةً، فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَرْهَنَهُ بِخَمْسَةٍ، وَقَالَ الْمُسْتَعِيرُ بِعَشَرَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ مُقَيَّدًا بِصِفَةٍ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُسْتَعِيرِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا اسْتَعَارَ ثَوْبًا لِيَرْهَنَهُ بِعَشَرَةٍ وَقِيمَتُهُ عَشَرَةٌ، أَوْ أَكْثَرُ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بَطَلَ الْمَالُ عَنْ الرَّاهِنِ وَجَبَ مِثْلُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَكَذَا لَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ، وَعَلَى الرَّاهِنِ نُقْصَانُهُ لِرَبِّ الثَّوْبِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ، وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُسْتَعِيرُ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَأْخُذْ الْمُعِيرُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَقْضِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ.
وَلَوْ اسْتَعَارَ الرَّهْنَ مِنْ رَجُلَيْنِ ثُمَّ قَضَى نِصْفَ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَرْفُهُ إلَى نَصِيبِ أَحَدِهِمَا.
وَلَوْ آجَرَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ فَالْأَجْرُ لِلرَّاهِنِ، وَبَطَلَ الرَّهْنُ، وَلَوْ هَلَكَ فَلِلْمُعِيرِ أَنْ يَضْمَنَ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ، وَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ هُوَ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ.
وَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ رَدَّ مَا قَبَضَ، وَيَضْمَنُ الرَّاهِنُ لِلْمُعِيرِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ الْمَالَ، وَبَعَثَ وَكِيلًا قَبَضَ الْعَبْدَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ ضَمِنَ الْمُسْتَعِيرُ لِصَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ مِنْ عِيَالِهِ، وَكَذَا لَوْ قَبَضَهُ الرَّاهِنُ ثُمَّ بَعَثَهُ إلَى صَاحِبِهِ مَعَ وَكِيلِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.
وَلَوْ اسْتَعَارَ أَمَةً لِيَرْهَنَهَا فَرَهَنَهَا، ثُمَّ وَطِئَهَا الرَّاهِنُ، أَوْ الْمُرْتَهِنُ فَإِنَّهُ يَدْرَأُ الْحَدَّ عَنْهُمَا، وَيَكُونُ الْمَهْرُ عَلَى الْوَاطِئِ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ لَا يَنْفَكُّ مِنْ حَدٍّ، أَوْ مَهْرٍ، وَالْمَهْرُ بِمَنْزِلَةِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمُسْتَوْفَى، وَالْمُسْتَوْفَى فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ فَيَكُونُ رَهْنًا مَعَهَا، فَإِذَا افْتَكَّهَا الرَّاهِنُ سَلِمَتْ الْأَمَةُ، وَمَهْرُهَا لِمَوْلَاهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ وَلَدَتْ، وَلَوْ وَهَبَ لَهَا هِبَةً، أَوْ اكْتَسَبَتْ كَسْبًا فَذَلِكَ لِمَوْلَاهَا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ جَارِيَةً لِيَرْهَنَهَا بِدَيْنِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَعِيرُ، وَلَمْ يَدَعْ مَالًا فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَبِيعَهَا بِدَيْنِهِ، وَأَبَى صَاحِبُ الْجَارِيَةِ ذَلِكَ فَالْقَاضِي لَا يَبِيعُهَا، وَلَكِنْ يُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ: احْبِسْ الْمَرْهُونَ حَتَّى يَقْضِيَ الْمُعِيرُ حَقَّكَ، فَإِنْ قَالَ الْمُعِيرُ، وَهُوَ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ لِلْقَاضِي: بِعْهَا بِالدَّيْنِ، وَأَبَى الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي ثَمَنِهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لَا يُلْتَفَتُ إلَى إبَاءِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ إزَالَةُ يَدِهِ عَنْ الْمَرْهُونِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ثَمَنِهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ لَا تُبَاعُ بِدُونِ رِضَا الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ كَانَ فِي ثَمَنِهَا وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَبِيعَتْ فِي الدَّيْنِ، وَاسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَهَا ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمُسْتَعِيرِ مَالٌ رَجَعَ الْمُعِيرُ بِمَا أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ الْمُسْتَعِيرُ، وَلَكِنْ مَاتَ الْمُعِيرُ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَثِيرَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مُعْسِرًا كَانَتْ الْجَارِيَةُ رَهْنًا عَلَى حَالِهَا، فَإِنْ اجْتَمَعَ غُرَمَاءُ الْمُعِيرِ، وَوَرَثَتُهُ عَلَى بَيْعِهَا لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَبَى الْمُرْتَهِنُ، فَالْجَوَابُ فِيهِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قُلْنَا فِيمَا إذَا أَرَادَ ذَلِكَ حَالَ حَيَاتِهِ، وَأَبَى الْمُرْتَهِنُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ غَصَبَ مِنْ آخَرَ عَبْدًا فَرَهَنَهُ بِدَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهَلَكَ الْمَالُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ كَانَ لِلْمَالِكِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ تَمَّ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَيَصِيرُ رَاهِنًا مَالَ نَفْسِهِ، وَإِنْ ضَمَّنَ الْمَالِكُ الْمُرْتَهِنَ كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا ضُمِّنَ، وَيَبْطُلُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ هُوَ الْقَبْضُ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ قَبْلَهُ فَلَا يَنْفُذُ الرَّهْنُ بِمِلْكٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ الْعَقْدِ.
وَلَوْ كَانَ الْغَاصِبُ دَفَعَ الْعَبْدَ الْمَغْصُوبَ إلَى رَجُلٍ وَدِيعَةً ثُمَّ رَهَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُ الْعَبْدِ وَضَمَّنَ الْغَاصِبَ، أَوْ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ، فَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ جَازَ الرَّهْنُ فِي الْوَجْهَيْنِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ لِإِنْسَانٍ فَرَهَنَهُ الْمُودَعُ عِنْدَ رَجُلٍ فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَجَاءَ الْمَالِكُ وَضَمَّنَ الرَّاهِنَ، أَوْ الْمُرْتَهِنَ لَا يَنْفُذُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ ضَمِنَ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَعَقْدُ الرَّهْنِ كَانَ قَبْلَ الدَّفْعِ، فَلَا يَكُونُ مَالِكًا وَقْتَ الرَّهْنِ، فَلَا يَجُوزُ كَرَجُلٍ رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ عَبْدًا لِغَيْرِهِ فَعَقَدَا عَقْدَ الرَّهْنِ، وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ إنَّ الرَّاهِنَ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ مَوْلَاهُ، وَدَفَعَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَرَهْنُ الْمُرْتَدِّ وَارْتِهَانُهُ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- كَسَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ، فَإِنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ، وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، وَقِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءٌ، وَقَدْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَالرَّهْنُ مِنْ مَالٍ اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ، أَوْ كَانَ الدَّيْنُ فِي رِدَّتِهِ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ، أَوْ بَيِّنَةٍ قَامَتْ عَلَيْهِ، وَالرَّهْنُ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي الرِّدَّةِ أَيْضًا فَهُوَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ عَلَى الدَّيْنِ فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَضْمَنُ الْفَضْلَ، وَلَوْ اسْتَدَانَ دَيْنًا فِي رِدَّتِهِ، وَرَهَنَ بِهِ مَتَاعًا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ ثُمَّ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ وَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ قِيمَتَهُ إنْ هَلَكَ يَرُدُّ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَيَكُونُ دَيْنُهُ فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي الرِّدَّةِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَالْمَتَاعُ مِنْ كَسْبِهِ فِي الرِّدَّةِ، فَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فَيْئًا مَعَ مَا اكْتَسَبَ فِي الرِّدَّةِ فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَالِهِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
رَجُلٌ رَهَنَ عَبْدًا، وَغَابَ ثُمَّ إنَّ الْمُرْتَهِنَ وَجَدَ الْعَبْدَ حُرًّا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ أَقَرَّ بِالرِّقِّ عِنْدَ الرَّهْنِ لَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِأَلْفٍ، وَرَهَنَ عِنْدَهَا بِالْمَهْرِ عَيْنًا تُسَاوِي أَلْفًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهَا بَعْدَمَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ نِصْفِ الصَّدَاقِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا وَرَهَنَ عِنْدَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ رَهْنًا فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَهَا، وَفِيهِ وَفَاءٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَتَصِيرُ مُسْتَوْفِيَةً مَهْرَ الْمِثْلِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا كَانَ عَلَيْهَا رَدُّ مَا زَادَ عَلَى مُتْعَةِ مِثْلِهَا كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
دَخَلَ خَانًا فَقَالَ الْخَانِيُّ: لَا أَدَعُكَ تَنْزِلُ حَتَّى تُعْطِيَنِي شَيْئًا، فَدَفَعَ لَهُ رَهْنًا وَهَلَكَ عِنْدَهُ إنْ رَهَنَهُ لِأَجْلِ أَجْرِ الْبَيْتِ فَهُوَ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ لِأَجْلِ أَنَّهُ سَارِقٌ يَضْمَنُ قَالَ الْفَقِيهُ: إنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ فِي الدَّفْعِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ رَهْنًا يُذْهَبُ مِنْهُ بِحِسَابِ ذَلِكَ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ غَصَبَ غُلَامًا شَابًّا فَشَاخَ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النُّقْصَانَ فَكَذَلِكَ فِي الرَّهْنِ يُذْهَبُ بِالْحِسَابِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ كَانَ أَمْرَدَ فَالْتَحَى لَا يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً نَاهِدَةً فَانْكَسَرَ ثَدْيُهَا حَيْثُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ نُقْصَانٌ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
رَجُلٌ رَهَنَ فَرْوًا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةٍ فَأَكَلَهُ السُّوسُ، وَصَارَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً فَإِنَّهُ يَفْتَكُّهُ بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ رَهَنَهُ بِهَا عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفَيْنِ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الرَّهْنَ لِرَجُلٍ اغْتَصَبَهُ الرَّاهِنُ مِنْهُ لَمْ يُصَدَّقْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ فَيُؤَدِّي الرَّاهِنُ الدَّيْنَ، وَيَأْخُذُ الْعَبْدَ وَلَا سَبِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا عَلَى مَا أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ فِي قِيمَةِ الرَّهْنِ وَفَاءً بِدَيْنِهِ وَزِيَادَةً، فَكَانَ ضَامِنًا جَمِيعَ قِيمَتِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فَيَضْمَنُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ إذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِالْهَلَاكِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يُقِرَّ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ اسْتَهْلَكَهَا، وَقَدْ مَاتَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ، وَقَدْ كَانَ الرَّاهِنُ جَعَلَ فِيمَا بَيْنَهُمَا عَدْلًا يَبِيعُهُ، وَيُوَفِّي الْمُرْتَهِنَ حَقَّهُ فَبَاعَهُ الْعَدْلُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَدَفَعَهُ، وَقَبَضَهُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ فَنَقَدَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ ذَلِكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَعْطَى الرَّاهِنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنْ أَجَازَ الْمُقَرُّ لَهُ الْبَيْعَ أَخَذَ الْأَلْفَ الَّتِي أَخَذَهَا الْمُرْتَهِنُ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ فَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى أَخْذِ الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يُقِرَّ بِالرَّقَبَةِ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ قَدْ اسْتَهْلَكَ لِرَجُلٍ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَإِنَّ الْمُرْتَهِنَ يَدْفَعُ الْأَلْفَ الَّتِي قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَجَازَ الْبَيْعَ، أَوْ لَمْ يُجِزْ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
رَهَنَ عَبْدًا بِأَلْفٍ فَحَفَرَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ افْتَكَّ الرَّاهِنُ وَأَخَذَ الْعَبْدَ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا إنْ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ ثُمَّ دَابَّةٌ، أَوْ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ ثُمَّ إنْسَانٌ، أَوْ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ ثُمَّ دَابَّةٌ أَوْ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ ثُمَّ إنْسَانٌ، فَإِنْ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ ثُمَّ تَلِفَتْ وَهِيَ تُسَاوِي أَلْفًا فَالْعَبْدُ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى، فَإِنْ بِيعَ بِأَلْفٍ وَأَخَذَهَا صَاحِبُ الدَّابَّةِ يَرْجِعُ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالدَّيْنِ الَّذِي قَضَاهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ دَابَّةٌ أُخْرَى قِيمَتُهَا أَلْفٌ يُشَارِكُ صَاحِبَ الدَّابَّةِ الْأُولَى وَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا أَخَذَهُ، وَلَا يَرْجِعُ الْأَوَّلُ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا إذَا تَلِفَ فِيهَا إنْسَانٌ فَدَفَعَ الْعَبْدَ بِهِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا قَضَاهُ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ تَلِفَ فِيهَا إنْسَانٌ آخَرُ بَعْدَمَا دَفَعَ الْعَبْدَ فَوَلِيُّ الثَّانِي يُشَارِكُ الْأَوَّلَ فِي الْعَبْدِ فَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ فَبِيعَ الْعَبْدُ وَصُرِفَ ثَمَنُهُ إلَى صَاحِبِهَا ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَمَاتَ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ فِيهَا آدَمِيٌّ فَمَاتَ فَدَفَعَ الْعَبْدُ بِالْجِنَايَةِ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا دَابَّةٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ: إمَّا أَنْ تَبِيعَ الْعَبْدَ، أَوْ تَقْضِيَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ اسْتَنَدَتَا إلَى وَقْتِ الْحَفْرِ فَكَأَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا، وَلَوْ وَقَعَا مَعًا فَدَفَعَ الْعَبْدَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَيُخَيَّرُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْفِدَاءِ فَكَذَا هَذَا.
عَبْدَانِ حَفَرَا بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَوَقَعَ فِيهَا الْعَبْدُ الرَّهْنُ فَدَفَعَا بِهِ ثُمَّ وَقَعَ أَحَدُهُمَا فِيهَا فَمَاتَ بَطَلَ نِصْفُ الدَّيْنِ وَهُدِرَ دَمُهُ لِأَنَّهُمَا قَامَا مَقَامَ الْعَبْدِ الْأَوَّلِ، وَأَخَذَا حُكْمَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ وَقَعَ الْعَبْدُ الْأَوَّلُ فِي الْبِئْرِ، وَذَهَبَ نِصْفُهُ بِأَنْ ذَهَبَ عَيْنُهُ، أَوْ شُلَّتْ يَدُهُ سَقَطَ نِصْفُ الدَّيْنِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ حَفَرَ الْمَغْصُوبُ الْمَرْهُونُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ رَدَّهُ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ، وَقَضَى الدَّيْنَ ثُمَّ وَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ: ادْفَعْ عَبْدَكَ أَوْ افْدِهِ فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ رَجَعَ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ مُفْلِسًا، أَوْ غَائِبًا رَجَعَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمَا قَضَاهُ إذَا كَانَ الدَّيْنُ وَالرَّهْنُ سَوَاءً لِيَكُونَ الْفِدَاءُ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ عَطِبَ بِالْحَجَرِ الْآخَرِ بَعْدَ دَفْعِ الْعَبْدِ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ يُقَالُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ: ادْفَعْ نِصْفَهُ، أَوْ افْدِهِ بِعَشَرَةِ آلَافٍ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ فَعَطِبَ فِيهَا الرَّاهِنُ، أَوْ غَيْرُهُ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ فِي فِنَاءِ نَفْسِهِ فَعَلَى عَاقِلَةِ الرَّاهِنِ، وَلَوْ أَمَرَهُ الرَّاهِنُ، أَوْ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ فَدَفَعَ بِهِ فَعَلَى الْآمِرِ قِيمَتُهُ فَتَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ، وَكَذَا لَوْ بَعَثَهُ لِيَسْقِيَ دَابَّةً فَأَوْطَأَتْ إنْسَانًا فَأَيُّهُمَا بَعَثَ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَيُؤَاخِذُ الْبَاعِثُ بِالدَّفْعِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ.
وَإِذَا حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ، وَهُوَ رَهْنٌ بِأَلْفٍ وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ فَوَقَعَ فِيهَا عَبْدٌ فَذَهَبَ عَيْنَاهُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْعَبْدُ الرَّهْنَ، أَوْ يَفْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ فَقَأَ عَيْنَيْ الْعَبْدِ بِيَدِهِ، وَالْفِدَاءُ كُلُّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، فَإِنْ فَدَاهُ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ، وَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ الْعَبْدَ الْأَعْمَى، فَكَانَ لَهُ مَكَانَ مَا أَدَّى مِنْ الْفِدَاءِ، وَإِنْ دَفَعَ الْعَبْدُ الرَّهْنَ، وَأَخَذَ الْأَعْمَى كَانَ رَهْنًا مَكَانَهُ بِالْأَلْفِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْبِئْرِ آخَرُ اشْتَرَكُوا فِي الْعَبْدِ الْحَافِرِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ، أَوْ يَفْدِيهِ مَوْلَاهُ الَّذِي عِنْدَهُ بِالْأَلْفِ، وَلَا يَلْحَقُ الْأَعْمَى مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ: مَا بِعْتَ فُلَانًا قِيمَتُهُ عَلَيَّ، وَأَعْطَاهُ بِهِ رَهْنًا قَبْلَ الْمُبَايَعَةِ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
رَجُلٌ كَفَلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ بِأَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ثُمَّ إنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ رَهَنَ عَيْنًا مِنْ الْكَفِيلِ بِالْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ لَمْ تَحِلَّ بَعْدُ.
(رَجُلٌ) كَفَلَ بِدَيْنٍ عَنْ إنْسَانٍ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إنَّ الْمَكْفُولَ عَنْهُ رَهَنَ عَيْنًا بِالدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ مِنْ الْكَفِيلِ قَبْلَ أَدَاءِ الْكَفِيلِ جَازَ.
رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفٌ عَلَى رَجُلٍ فَارْتَهَنَا مِنْهُ أَرْضًا بِدَيْنِهِمَا، وَقَبَضَاهَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُ الْمُرْتَهِنَيْنِ: إنَّ الْمَالَ الَّذِي لَنَا عَلَى فُلَانٍ بَاطِلٌ، وَالْأَرْضُ فِي أَيْدِينَا تَلْجِئَةٌ قَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَيَبْرَأُ مِنْ حِصَّتِهِ، وَالرَّهْنُ عَلَى حَالِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
مَرْهُونَةٌ بِأَلْفٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَقَتَلَتْهَا أَمَةٌ تُسَاوِي مِائَةً فَدَفَعَتْ بِهَا فَوَلَدَتْ الْمَدْفُوعَةُ وَلَدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ فَاعْوَرَّتْ الْمَدْفُوعَةُ ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ نَاقِصًا بِجُزْءٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ وَيُؤَدِّي مَا بَقِيَ، وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَرُبْعُ دِرْهَمٍ وَجُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةِ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ دِرْهَمٍ (بَيَانُهُ): أَنَّ الْأُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا قِيمَتُهُ أَلْفٌ انْقَسَمَ الدَّيْنُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعَقْدِ، وَهِيَ أَلْفٌ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ يَوْمَ الْفِكَاكِ، وَهِيَ أَلْفٌ أَيْضًا فَلَمَّا قَتَلَتْهَا أَمَةٌ قِيمَتُهَا مِائَةٌ، وَدَفَعَتْ بِهَا بَقِيَ مَا فِيهَا مِنْ الدَّيْنِ لِقِيَامِهَا مَقَامَهَا لَحْمًا وَدَمًا كَأَنَّ الْأُولَى تَرَاجَعَ سِعْرُهَا فَلَمَّا وَلَدَتْ الْقَاتِلَةُ وَلَدًا انْقَسَمَ مَا فِيهَا عَلَى قِيمَةِ الْقَاتِلَةِ، وَهِيَ مِائَةٌ، وَعَلَى قِيمَةِ وَلَدِهَا، وَهِيَ أَلْفٌ فَصَارَ نِصْفُ الدَّيْنِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ فَصَارَ نِصْفُ الدَّيْنِ فِي الْوَلَدِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ فَصَارَ كُلُّهُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ سَهْمًا فِي الْقَاتِلَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ بِالْعَوَرِ نِصْفُهُ فَانْكَسَرَ فَصَارَ بِالتَّضْعِيفِ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ سَهْمًا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فِي الْوَلَدِ الثَّانِي وَسَهْمَانِ فِي الْقَاتِلَةِ ذَهَبَ بِالْعَوَرِ سَهْمٌ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- ذَهَبَ مِنْ الدَّيْنِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا كَذَا فِي الْكَافِي.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.